ينظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بتعاون مع صندوق الإيداع والتدبير معرضا فنيا للوحات الفنانة التشكيلية خديجة طنانة تحت عنوان: «الحريك» ، وذلك يوم الجمعة 2 فبراير 2001، بالرواق الفني لصندوق الإبداع والتدبير، ساحة مولاي الحسن، الرباط، على الساعة السابعة مساء.
عندما فكرنا في اتحاد كتاب المغرب في الانخراط مع الفنانة التشكيلية خديحة طنانة في أفق هذا المعرض وموضوعته الأساسية، إنما كنا نعلن – في صمت – عن عودة إلى ذاكرتنا الحية. ذلك أننا استسلمنا، قليلا أو كثيرا، لنسيان طبيعي!
كنا ضائعين ف يضواحي الحقيقة، وكدنا نعمد هذه الخسارات الفادحة حيث تسقط حياة شابة في حوض الماء كما لو كان لنا فائض حياة. وقد يعجز الاقتصادي. قد يعجز السياسي، لكن الثقافي أو الفني لا يعرف معنى التراجع أو المهادنة. ومن ثم، تأتي هذه المبادرة المشتركة بين مؤسستين (اتحاد كتاب المغرب وصندوق الإيداع والتدبير) لإعطاء إشارة فقط. فالحياة ليست رخيصة وأرواح الشبيبة المغربية لا تصلح «وليمة لأسماك البحر».
إن الفنانة خديجة طنانة وهي تنجز هذه التجربة الفنية لتؤكد بأن الفن لا يمكنه إلا أن ينتصر للحياة وللأمل. كأنها ترسم مرثية لا تشبه المرثيات. كأنها (مع فيتزرالد) تحاول أن تفسر لنا بأن الحياة تمضي دائما بإيقاعات متعددة، وبأكثر من نظام سرعة.
وأ‘تقد أن الفنانة خديجة طنانة لم تصل صدفة إلى موضوعة «الحريك» (التي قد تحيلنا على الحريق بمعناه الشامل، حريق الزمن والمكان، حريق الروح والأعصابـ حريق العمر، حريق المركب، الخ.). لقد جاءت إليها بعد اشتغال فني وجمالي على موضوعة الجسد في حالات العراء والإغراء والافتتان، وها هي تصل إلى جسد مغمور بالمياه ومفعم بالموت.
في هذا الجسد إحساس بالزمن وبالمسافات. وهو جسد متشذر لا نرى إلا آثار أقدامه البنية، وأياديه وهي تلوح في الفراغ المهول. ووجوهه الغامضة.
هناك جسد لا كالأجساد. يبدو شبه محترق و شبه ظليل. وقد منحته رعشة اليد التي ترسمه قيمة الارتجاف. ولم يوفق «الأكرليك» ولا لون «القهوة» في أن يعيد الحياة إلى هذا الجسد البارد. على العكس، لقد اختارت خديجة قضية لمعرضها هذا، دلاليا وعلى المستوى التقني. تماما كما لو كانت بصدد تعبئة حواسها وحواس الآخرين.
إنها تحاول أن تدع العنف الذي عبر إلى وجدانها يعبر إلى وجداناتنا جميعا. كأنها تريد أن توقظ ضمائرنا من حالة إغماء. فلا شك، أنها قلقلة وخائفة من أن تسقط أجسادا في الماء غريقة… ثم تسقط في غيبوبتنا الجماعية.
إن هذا المعرض الفني ليس تبيانا لكل شيء في ظاهرة مؤلمة وفجائية. لكنه صيغة لكي لا نذر أحدا في غمرته إلى حين. ومن ثم نبعت هذه الرغبة المشتركة من إرادة مشتركة: ألا يبقى موضوع مراكب الموت مجرد اهتمام إعلامي أو سياسي. وواضح أن فكرة هذه المعرض تغذت من الصمت الطويل العميق الذي يلف النخبة الفكرية والثقافية المغربية، وهي تتابع هذه المأساتي دونما موقف أو توقف أو صراخ! لنزعم أيضا بأنه سفر في المغرب الآخر، المغرب العميق، الباطني، الذي لا نعثر عليه في الخريطة، وإنما في الصمت، في الدمعة، يف الفقدان، في الضوء الخابي وفي الليلة المقفرة…
تلك الليلة التي يمضي فيها مركب فلا يصل، ولا يعـود!